يصف مارتينس العمليّة الرّوحيّة التي أعطته وعي الخلود الضروريّ
جدًّا ليكون قادرا على أن يكتب العهد الثّالث بالطّريقة التّالية
:
“روح اللّه" الذي طبقًا للإنجيل "يرف على وجه المياه", "النار" التي
رآها موسى تحترق في أحراش الشّوكة, "النار" التي أخذت
إيليا في الجنّة, "النّار" التي خلالها غُيِّرَ شَكْل
يسوع على الجبل, "النّار" التي ظهرت فوق رءوس الحواريّين
و لاحقًا بدّلت سولس إلى بولوس في طريقه إلى دمشق, "النّار" التي
طوال الوقت كانت عبارة عن البداية و النّهاية في كلّ استمارة الخلق
السّامي والإيضاح والاعتراف . كانت هناك ناراََ تتوهّج أمام عيني,
تهتزّ في صدري, في قلبي, تغلّف كياني بالكامل . شعرت كما لو كنت
ا ستحم في شعلة حبّ . كنت في الأصل مصدر كل شيئ دافئ مثل تعاطف
الأمّ و الأب مع سلالتهم, مثل الولاء المتبادل في العلاقات الغراميّة
بين زوجين في مقتبل الشباب. رأيت الطاقة التي جعلت اليد توقّع خطاب
العفو, التي ألغت العبوديّة, وحمت المساكين, سواء كانوا حيوانات
صغيرة أو إناس ضعفاء . رأيت نور الشّمس الذي يمكن أن يصهر الثّلج
و يزيل البرد من كلّ عقل يحوّل الصّحاري القاحلة من اليأس و التّشاؤم
الى أراضٍ خصبة و مشمسة , ضوء يدفّئ القلب, يحثّ الذهن, نور يجعل
الفرد يسامح الظّلم ويحب عدوّه . كان كما لو كنت أستريح في حضن
اللّه الهائل . كنت أقيم في مصدر الحبّ الأعلى, أدركت التّمام الإلهيّ,
جربت أن أكون كائنا في طريق الحقيقة و الحياة, أن أكون واحدا مع
أبٍ الكلّ.
.لتفصيل موضح أكثر عن الوحي, الرّوح القدس أنصح القارئ بقراءة
كتابي "كتاب الحياة". هنا سأذكر أن مثل هذا الوعي الرّفيع
هو عبارة عن تجربة شخصيّة, المقصود منها فقط الكائن المعني بذلك
(مارتينس), و لا يمكن أبدًا أن تكون حقيقة مباشرة للكائنات الأخرى
.إن الرؤيا الروحانية التي زارتني لا تعني شئ في حد ذاتها إذا لم
تترك وراءها الآثار التي كانت مرئيّة و ممكن الوصول إليها للقدرة
على الإدراك .
لذلك فأن الشيء الجوهريّ للقرّاء ليس التّجارب الرّوحيّة التي
كانت لدي, لكنّ الآثار التي قد خلقتها التجارب, لأنه يمكن التُحَقَّق
من هذه التجارب بطريقة أو أخرى من قبل كلّ إنسان أخلاقيًّ, عادل
و حرّ. تكوّن هذه الآثار إيضاحات منضبطة مثل خلق الحقّيقة, تحليل
رياضيّ للعالم, علم ديني راسخ تمامًا و ظهور أولي لعقليّة جديدة,
ثقافة جديدة تستند على هذا, والذي فيه تّفهم حقيقيّ للحياة, مرسوم
بمنطق الحبّ المتقن و أقصى منطق عالميّ على الإجابة "كل شيئ
جيّد جدًّا" والتي تعني أن المدن الفاضلة تتحول إلى حياة واقعية,
الحقائق الواضحة ممكن الوصول إليها لكلّ إنسان تطوِرَ أو نَضِجَ
من ناحية العقل والأحاسيس .
الكلمات التّالية كُتِبَتْ في مساء حياته, وعندما تم الأنتهاء
من تجميع أعماله تبقّي شيء واحد وهو تقديم العمل للجمهور باسمه
المناسب : العهد الثّالث .
“ما هو المستشار, الرّوح القدس"؟ إنّه بالتأكيد ليس شخص جديد,
مسيح جديد يجيء وسيطا بين الاله و النّاس . "روح الحقيقة" هذا
هو كشف حقيقة العالم. إنّه علم الكون و بالتّالي الالّه . يجب أن
يكون سجلّ للوصول الى حلّ إلى لغز الكون. لهذا هو الكتاب الذي يمكن
أن تقرأه النّاس, كما قرءوا الإنجيل .
هذا المستشار, الرّوح القدس والذي تنبّأ به المسيح و الذي سيُجْعَل
واضحاً للبشريّة, هو اذا "كتاب الحياة" أو "كتاب
المعرفة .”
لكنّه كتاب واقعي عن الاله و الكون يمكن فقط أن يكوّن امتداد الثقافة
العالميّة الكونيّة التي بدأها المسيح منذ حوالي ألفان سنةً والتي
عرفناها من خلال اسم " المسيحيّة". يجب أن يكون كتاب
يخلق فكّرًا و ليس مدرسة دكتاتوريّة أو مرفق تّعليميّ في المسيحية
. يجب أن يكون كتاب يكشف عن الثّقافة العالميّة للمسيحية الكاملة
جسديّا وروحيا. يجب أن يكون كتاب ينير تمامًا ذروة الظّلام وأيضًا
النور و الوظيفة الحيويّة الثّابتة في الكون ومن ذلك يجيء خلود
المخلوقات الحيّة .
يجب أن يكون كتاب يمثل اللا محدوديّة و الخلود و وظائفهم الحيّة
المقتبسة على شكل "مكان" و "زمان" ذو نتيجة
نهائيّة عليمة و قديرة, والذي من خلال التّعاون الممتاز معه يكوّن
الحبّ العامّ و في هذه الطّريقة هو نفس الشيء كالحياة الأبديّة
في المخلوقات الحيّة . قد جئنا هنا إلى النّقطة الثّابتة للكون
و مصدره "أب الحياة", الواحد الأبديّ و المشرق .
لا يمكن أن يتجنّب مثل هذا الكتاب الاحتواء على الأشياء الكثيرة
التي كان يجب على المسيح أن يخبر البشريّة بها لكنّ اللّه أراد
إعطاءها لأجيال ستأتي بعد ذلك . لا يمكن أن يتجنّب مثل هذا الكتاب
أن يكون "مستشار, الرّوح القدس" .بأساس المسيحيّة الجوهريّ
الخاصّ به و بفضل علاقته بعهدي الكتاب المقدّس, إنّه مناسب قانونيًّا
أن تعبّر عنه كالعهد الثّالث .هذا العهد الثّالث هو بالتّالي كتاب
حكمة أو معرفة . إنّه اعتراف البهجة الأبديّة لحبّ الكون الذي هو
ثانية اعتراف لذلك "التّشابه لله", الذي يتحول اليه جميع
الكائنات الحيّة, خلال البعث أو التّجدّد, في عمليّة التّحويل .
هنا في العهد الثّالث, كلّ المخلوقات نّاقصة ويمكننا القول هنا "المخلوقات
الجسديّة", الحيوانات وأيضًا الانسان, ُظْهِروا على نفس الطّريق
- الطريق الذي يؤدّي حتما إلى الوعي الكونيّ و في ذلك, إلى خبرة
الهالة النورانية للكون, النور الذّهبيّ, الحيّ دائما في المخلوقات
الحيّة و في ذلك إلى "وعي المسيح" و كونه "واحد
مع اللّه" .كان المسيح, كما نعرف, نّموذج لخلق وعي اللّه في
الرّجل . ألم يقل المسيح بالتّحديد, "دُفع إليّ كل سلطان في
السما وعلى الأرض"? ( 28:18 متى)
كيف استطاع هو إلّا أن يكون مـ "تشابه لللّه" بدون هذه
السّعة ؟ و كيف يمكن لأيّ مخلوق آخر يُخْلَق في هذا التّشابه بدون
أن يؤدّي إلى نفس السّعة بالضّرورة؟ "المستشار, الرّوح القدس" هو
اذا العهد الثّالث الحاليّ, استمرار إعلان المسيح . إنّه استمرار
تبشير النور الأبديّ من "نجم بيت لحم" .في هذا النّور
الخالد, الحلّ لأعظم مبادئ الحياة و, في ذلك, أساس المسيحيّة الرّاسخ,
أساس السعادة و النّعيم, يُكْشَف هنا للعالم .